فصل: المجمع الثالث:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى (نسخة منقحة)



.المجمع الثالث:

فكان لهم مجمع ثالث بعد ثمان وخمسين سنة من المجمع الأول بنيقية فاجتمع الوزراء والقواد إلى الملك، وقالوا إن مقالة الناس قد فسدت وغلبت عليهم مقالة أريوس ومقدونيس، فاكتب إلى جميع الأساقفة والبتاركة أن يجتمعوا ويوضحوا دين النصرانية فكتب الملك إلى سائر بلاده، فاجتمع في قسطنطينية مائة وخمسون أسقفا، فنظروا وبحثوا في مقالة أريوس فوجدوها أن روح القدس مخلوق، ومصنوع ليس باله، فقال بترك الإسكندرية ليس روح القدس عندنا غير روح الله، وليس روح الله غير حياته، فإذا قلنا إن روح الله مخلوق فقد قلنا إن حياته مخلوقة، وإذا قلنا أن حياته مخلوقة فقد جعلناه غير حي، وذلك كفر به. فلعنوا جميعهم من يقول بهذه المقالة ولعنوا جماعة من أساقفتهم وبتاركتهم كانوا يقولون بمقالات أخر لم يرتضوها، وبينوا أن روح القدس خالق غير مخلوق، إله حق من إله حق من طبيعة الأب والابن، جوهر واحد وطبيعة واحدة، وزادوا في الأمانة التي وضعتها الثلاثمائة والثمانية عشر ونؤمن بروح القدس الرب المحيي الذي من الأب منبثق الذي مع الأب والابن وهو مسجود وممجد وكان في تلك الأمانة وبروح القدس: فقط، وبينوا أن الابن والأب وروح القدس ثلاثة أقانيم وثلاث وجوه وثلاث خواص، وأنها وحدة في تثليث وتثليث في وحدة، وبينوا أن جسد المسيح بنفس ناطقة عقلية فأنفض هذا الجمع وقد لعنوا فيه كثيرا من أساقفتهم وأشياعهم.

.المجمع الرابع:

ثم بعد إحدى وخمسين سنة من هذا المجمع كان لهم مجمع رابع على نسطورس، وكان رأيه أن مريم ليست بوالدة إله على الحقيقة، ولذلك كان اثنان: أحدهما الإله الذي هو موجود من الأب، والآخر إنسان وهو الموجود من مريم، وأن هذا الإنسان الذي نقول إنه المسيح متوحد مع ابن الإله، ويقال له إله وابن الإله ليس على الحقيقة ولكن موهبة واتفاق الاسمين على طريق الكرامة. فبلغ ذلك بتاركة سائر البلاد فجرت بينهم مراسلات واتفقوا على تخطئته واجتمع منهم مائتا أسقف في مدينة أفسيس وأرسلوا إليه للمناظرة فامتنع ثلاثا مرات فاجمعوا على لعنه فلعنوه ونفوه وبينوا أن مريم ولدت إلها وأن المسيح إله حق من إله حق وهو إنسان وله طبيعتان فلما لعنوا نسطورس تعصب له بترك أنطاكية فجمع الأساقفة فلم يزل الملك حتى الذين قدموا معه وناظرهم وقطعهم فتقاتلوا وتلاعنوا وجرى بينهم شر فتفاقم أمرهم ثم أصلح بينهم فكتب أولئك صحيفة أن مريم القديسة ولدت إلها وهو ربنا يسوع المسيح الذي هو مع الله في الطبيعة ومع الناس في الناسوت وأقروا بطبيعتين وبوجه واحد وأقنوم واحد وأنفذوا لعن نسطورس فلما لعنوه ونفى سار إلى مصر وأقام في أخميم سبع سنين ومات ودفن بها، وماتت مقالته إلى أن أحياها ابن صرما مطران نصيبين وبثها في بلاد المشرق فأكثر نصارى المشرق والعراق نسطورية فانفض ذلك المجمع الرابع أيضا وقد أطبقوا على لعن نسطوري وأشياعه ومن قال بمقالته.

.المجمع الخامس:

ثم كان لهم بعد هذا المجمع مجمع خامس وذلك أنه كان بالقسطنطينية طبيب راهب يقال له أوطيسوس يقول: إن جسد المسيح ليس هو مع أجسادنا بالطبيعة، وإن المسيح قبل التجسد من طبيعتين وبعد التجسد طبيعة واحدة، وهو أول من أحدث هذه المقالة وهي مقالة اليعقوبية فرحل إليه بعض الأساقفة فناظرهن وقطعه ودحض حجته، ثم صار إلى قسطنطينية فاخبر بتركها بالمناظرة وبانقطاعه فأرسل بترك القسطنطينية إليه فاستحضره وجمع جمعا عظيما وناظره، فقال أوطيوس: إن قلنا أن المسيح طبيعتين فقد قلنا بقول نسطورس، ولكنا نقول إن المسيح طبيعة واحدة وأقنوم واحد؛ لأنه من طبيعتين كانتا قبل التجسد، فلما قبل التجسد زالت عنه وصار طبيعة واحدة وأقنوما واحدا، فقال له بترك القسطنطينة: إن كان المسيح طبيعة واحدة فالطبيعة القديمة هي الطبيعة المحدثة، وإن كان القديم هو المحدث فالذي لم يزل هو الذي لم يكن، ولو جاز أن يكون القديم هو المحدث لكان القائم هو القاعد والحار هو البارد، فأبي أن يرجع عن مقالته فلعنوه، فاستعدى إلى الملك وزعم أنهم ظلموه وسأله أن يكتب إلى جميع البتاركة للمناظرة، فاستحضر الملك البتاركة والأساقفة من سائر البلاد إلى مدينة أفسيس، فثبت بترك الإسكندرية مقالة أوطيسوس، وقطع بتارك القسطنطينية وأنطاكية وبيت المقدس وسائر البتاركة والأساقفة، وكتب إلى بترك رومية وإلى جماعة الكهنة فحرمهم ومنعهم من القربان إن لم يقبلوا مقالة أوطيسوس، ففسدت الأمانة وصارت مقالة أوطيسوس خاصة بمصر، والإسكندرية وهو مذهب اليعقوبية، فافترق هذا المجمع الخامس وكل فريق يلعن الآخر ويحرمه ويبرأ من مقالته.

.المجمع السادس:

ثم كان لهم بعد هذا مجمع سادس في مدينة حلقدون، فأنه لما مات الملك ولى بعده مرقيون فاجتمع إليه الأساقفة من سائر البلاد فاعلموه ما كان من ظلم ذلك المجمع وقلة الأنصاف، وإن مقالة أوطيسوس قد غلبت على الناس وأفسدت دين النصرانية، فأمر الملك باستحضار سائر البتاركة والمطارنة والأساقفة إلى مدينة حلقدون فاجتمع فيها ستمائة وثلاثون أسقفا فنظروا في مقالة أوطيسوس وبترك الإسكندرية الذي قطع جميع البتاركة فأفسد الجميع مقالتهما ولعنوهما، وأثبتوا أن المسيح إله وإنسان في المكان مع الله باللاهوت وفي المكان معنا بالناسوت، يعرف بطبيعتين تام باللاهوت وتام بالناسوت ومسيح واحد، وثبتوا أقوال الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا، وقبلوا قولهم بأن الابن مع الله في المكان نور من نور إله حق من إله حق، ولعنوا أريوس، وقالوا إن روح القدس إله، وإن الأب والابن وروح القدس واحد بطبيعة واحدة وأقانيم ثلاثة، وثبتوا أن مريم العذراء ولدت إلها ربنا اليسوع المسيح الذي هو مع الله بالطبيعة ومع الناسوت بالطبيعة، وشهدوا أن للمسيح طبيعتين وأقنوما واحدا، ولعنوا نسطورس وبترك الإسكندرية، ولعنوا المجمع الثاني الذي كان بأفسيس، ثم المجمع الثالث المأتي أسقف بمدينة أفسيس أول مرة، ولعنوا نسطورس، وبين نسطورس إلى مجمع حلقدون أحد وعشرون سنة، فانفض هذا المجمع وقد لعنوا من مقدميهم وأساقفتهم من ذكرنا وكفروهم وتبرؤوا منهم ومن مقالاتهم.

.المجمع السابع:

ثم كان لهم بعد هذا المجمع مجمع سابع في أيام أنسطاس الملك، وذلك أن سورس القسطنطيني كان على رأى أوطيسوس، فجاء إلى الملك فقال إن المجمع الحلقدوني الستمائة وثلاثين قد أخطأوا في لعن أوطيسوس وبترك الإسكندرية، والدين الصحيح ما قالاه فلا يقبل دين من سواهما، ولكن أكتب إلى جميع عمالك أن يلعنوا الستمائة وثلاثين ويأخذوا الناس بطبيعة واحدة ومشيئة واحدة وأقنوم واحد، فأجابه الملك إلى ذلك، فلما بلغ ذلك إيليا بترك بيت المقدس جمع الرهبان ولعنوا أنسطاس الملك وسورس ومن يقول بمقالتهما، فبلغ ذلك أنسطاس ونفاه إلى أيلة، وبعث يوحنا بتركا على بيت المقدس لأن يوحنا كان قد ضمن له أن يلعن المجمع الحلقدوني الستمائة وثلاثين، فلما قدم إلى بيت المقدس اجتمع الرهبان وقالوا إياك أن تقبل من سورس ولكن قاتل عن المجمع الحلقدوني ونحن معك، فضمن لهم ذلك وخالف أمر الملك، فبلغ ذلك الملك فأرسل قائدا وأمره أن يأخذ يوحنا بطرح المجمع الحلقدوني، فأن لم يفعل ينفيه عن الكرسي، فقدم القائد وطرح يوحنا في الحبس فصار إليه الرهبان في الحبس وأشاروا عليه بأن يضمن للقائد أن يفعل ذلك، فإذا حضر فليقر بلعنة من لعنه الرهبان ففعل ذلك، واجتمع الرهبان وكانوا عشرة آلاف راهب معهم مدرس وسابا ورؤساء الديرات، فلعنوا أوطيسونس وسورس ونسطورس ومن لا يقبل المجمع الحلقدوني، وفزع رسول الملك من الرهبان، وبلغ ذلك الملك فهم بنفي يوحنا، فاجتمع الرهبان والأساقفة فكتبوا إلى أنسطاس الملك أنهم لا يقبلون مقالة سورس ولا أحد من المخالفين ولو أهريقت دماؤهم وسألوه أن يكف أذاه عنهم، وكتب بترك رومية إلى الملك يقبح فعله ويلعنه، فانفض هذا المجمع أيضا وقد تلاعنت فيه هذه الجموع على ما وصفنا!! وكان لسورس تلميذ يقال له يعقوب يقول بمقالة سورس، وكان يسمى يعقوب البرادعي وإليه تنسب اليعاقبة فأفسد أمانة النصارى، ثم مات أنسطاس وولي قسطنطين فرد كل من نفاه أنسطاس الملك إلى موضعه، وأجتمع الرهبان وأظهروا كتاب الملك وعيدوا عيدا حسنا بزعمهم، واثبتوا المجمع الحلقدوني بالستمائة وثلاثين أسقفا، ثم ولى ملك آخر وكانت اليعقوبية قد غلبوا على الإسكندرية وقتلوا بتركا لهم يقال له بولس كان ملكيا، فأرسل قائدا ومعه عسكر عظيم إلى الإسكندرية، فدخل الكنيسة في ثياب البترك، وتقدم وقدس فرموه بالحجارة حتى كادوا يقتلونه فانصرف، ثم أظهر لهم من بعد ثلاثة أيام أنه قد أتاه كتاب الملك، وضرب الجرس ليجتمع الناس يوم الأحد في الكنيسة فلم يبق أحد بالإسكندرية حتى حضر لسماع كتاب الملك، وقد جعل بينه وبين جنده علامة إذا هو فعلها وضعوا السيف في الناس، فصعد المنبر وقال: يا معشر أهل إسكندرية! إن رجعتم إلى الحق وتركتم مقالة اليعاقبة وإلا لن تأمنوا أن يرسل إليكم الملك من يسفك دمائكم، فرموه بالحجارة حتى خاف على نفسه أن يقتل، فاظهر العلامة فوضعوا السيف على كل من في الكنيسة فقتل داخلها وخارجها أمم لا تحصى كثرة حتى خاض الجند في الدماء، وهرب منهم خلق كثير، وظهرت مقالة الملكية.

.المجمع الثامن:

ثم كان لهم بعد ذلك مجمع ثامن بعد المجمع الحلقدوني الذي لعن فيه اليعقوبية بمائة سنة وثلاث سنين، وذلك أن أسقف منبج- وهي بلدة شرقي حلب بالقرب منها، وهي مخسوفة الآن- كان يقول بالتناسخ وأن ليس قيامة، وكان أسقف الرها وأسقف المصيصة وأسقف آخر يقولون إن جسد المسيح خيال غير حقيقة، فحشرهم الملك إلى قسطنطينية، فقال لهم بتركها إن كان جسده خيالا فيجب أن يكون فعله خيالا وقوله خيالا وكل جسد يعاين لأحد من الناس أو فعل أو قول فهو كذلك، وقال لأسقف منبج: إن المسيح قد قام من الموت وأعلمنا أنه كذلك يقوم الناس من الموت يوم الدينونة، وقال في إنجيله: لن تأتي الساعة حتى إن كل من في القبور إذا سمعوا قول ابن الله يجيبوا فكيف تقولون ليس قيامة؟! فأوجب عليهم الخزي واللعن، وأمر الملك أن يكون لهم مجمع يلعنون فيه، واستحضر بتاركة البلاد، فاجتمع في هذا المجمع مائة وأربعة وستون أسقفا، فلعنوا أسقف منبج وأسقف المصيصة، وثبوا على قول أسقف الرها. أن جسد المسيح حقيقة لا خيال، وأنه إله تام وإنسان تام معروف بطبيعتين ومشيئتين وفعلين أقنوم واحد، وثبتوا المجامع الأربعة التي قبلهم بعد المجمع الحلقدوني، وأن الدنيا زائلة، وأن القيامة كائنة، وأن المسيح يأتي بمجد عظيم فيدين الأحياء والأموات كما قال الثلاثمائة والثمانية عشر.

.المجمع التاسع:

ثم كان لهم مجمع تاسع في أيام معاوية بن أبي سفيان تلاعنوا فيه، وذلك أنه كان برومية راهب قديس يقال له مقلمس وله تلميذان، فجاء إلى قسطا الوالي فوبخه على قبح مذهبه وشناعة كفره، فأمر به قسطا فقطعت يداه ورجلاه ونزع لسانه، وفعل بأحد التلميذين مثله، وضرب الآخر بالسياط ونفاه، فبلغ ذلك ملك قسطنطينية فأرسل إليه أن يوجه إليه من أفاضل الأساقفة ليعلم وجه هذه الحجة ومن الذي كان ابتدأها لكيما يطرح جميع الآباء القديسين كل من استحق اللعنة، فبعث إليه مائة وأربعين أسقفا وثلاث شمامسة فلما وصلوا إلى قسطنطينية جمع الملك مائة وثمانية وستين أسقفا فصاروا ثلاثمائة وثمانية، وأسقطوا الشمامسة في البرطحة، وكان رئيس هذا المجمع بترك قسطنطينية وبترك أنطاكية، ولم يكن لبيت المقدس والإسكندرية بترك، فلعنوا من تقدم من القديسين الذين خالفوهم، وسموهم واحدا واحدا وهم جماعة، ولعنوا أصحاب المشيئة الواحدة، ولما لعنوا هؤلاء جلسوا فلخصوا الأمانة المستقيمة بزعمهم فقالوا: نؤمن بأن الواحد من اللاهوت الابن الوحيد الذي هو الكلمة الأزلية الدائم، المستوي مع الأب الإله في الجوهر، الذي هو ربنا اليسوع المسيح بطبيعتين تامتين، وفعلين، ومشيئتين، في أقنوم واحد ووجه واحد، يعرف تاما بلا هوته تاما بناسوته، وشهدت كما شهد مجمع الحلقدونية على ما سبق أن الإله الابن في آخر الأيام اتحد مع العذراء السيدة مريم القديسة جسدا إنسانا بنفسين، وذلك برحمة الله تعالى محب البشر ولم يلحقه اختلاط ولا فساد ولا فرقة ولا فصل، ولكن هو واحد يعمل بما يشبه الإنسان ن يعمله في طبيعته وما يشبه الإله أن يعمل في طبيعته الذي هو الابن الوحيد والكلمة الأزلية المتجسدة إلى أن صارت في الحقيقة لحما كما يقول الإنجيل المقدس من غير أن تنتقل عن محلها الأزلي، وليست بمتغيرة لكنها بفعلين ومشيئتين وطبيعتين.
إلهي، وإنسي الذي بهما يكون القول الحق، وكل واحدة من الطبيعتين تعمل مع شركة صاحبتها، مشيئتين غير متضادتين ولا متضارعتين، ولكن مع المشيئة الإنسية في المشيئة الإلهية القادرة على كل شيء هذه شهادتهم وأمانة المجمع السادس من المجمع الحلقدوني، وثبتوا ما ثبته الخمس مجامع التي كانت قبلهم ولعنوا من لعنوه، وبين المجمع الخامس إلى هذا المجمع مائة سنة.
المجمع التاسع: